المعتقل السري أكدز
يجد الزائر للمعتقل السري السابق بأكدز (قصبة الحد) نفسه، تجاه عمارة بكل ما تحمله من معاني الأبهة والنفوذ والثروة، وجمالية الهندسة المعمارية السائدة في جهة الجنوب الشرقي المغربي. وقد تمثل القائد “الباشا الكلاوي” نموذجه المثال، فهو أحد مشيدي سلسلة من القصور(القصبات) على نفس هذه الشاكلة في المنطقة. انتهى الكلاوي من تشييد قصره سنة 1946، في ظل سيادة الحماية الاستعمارية المغرب. ومع استقلال المغرب، تم تتريك القصر، كغيره في أماكن أخرى، بحكم انقلاب في موازين القوى. وابتداءً من 1976 استعد قصر أكدز نشاطه واستعمالاته، ليستضيف مختطفين خارج القانون ومكاناً لاحتجازهم. ظلت أبوابه تفتح وتغلق لإدخال وفود جديدة، أو إخراج من قضى نحبه، ليدفن في مقبرة عمومية توجد بجوار المركز.
فمنذ يناير 1976، تاريخ تنقيل من بقي على قيد الحياة من المجموعة المعتقلة في مركز الاخفاء القسري”قصر تاكونيت”، على إثر أحداث 1973. استمر احتجاز هذه المجموعة (ضمنها إمرأة واحدة)، إلى غاية 9 غشت 1977، بعد أن توفي منهم، خلال فترة الإحتجاز، 5 أشخاص. كما تم إلحاق مجموعات أخرى من المختطفين، وهم من مشارب مختلفة… نُقلوا إليه، سواء من مخافر الشرطة بمدينة أكادير أو من “درب مولاي الشريف”، “الكومبليكس”… كانت من ضمنهم نساء. مجموعة بنو هاشم (‘ طلبة وتلميذ واحد)، تم تنقيلها في 5 غشت 1977، بعد أن قضوا 16 شهراً في مركز “الكومليكس” بالرباط . أعتقل هؤلاء بشبهة الانتماء إلى منظمات نقابية طلابية أو تلاميذية، تابعة إلى منظمة إلى الأمام اليسارية الراديكالية. مجموعة من 5 أفراد من القوات المساعدة (تم اعتقالهم على ذمة الاشتباه في إفشاء سرية اختطاف واعتقال عائلة أفقير). أُطلق سراحهم بعد سنة. بلغ عدد نزلاء هذا المركز حوالي 200 محتجز. وفي شهادة لمحمد الرحوي، يحكي بأن الظروف بأكدز كانت فطيعة بالنظر إلى قساوة وشدة العقاب وتضييق هامش الفسحة. وخاصة مع قساوة الظروف المناخية، حيث تنحدر الحرارة، شتاءً إلى ما دون الصفر، وصيفاً ترتفع إلى ما فوق 50 درجة.
تتوزع قبور المتوفين بأكدز بين موقعين: الأول يضم 21 قبراً، والثاني 11 قبراً. و الملاحظ أن أغلب المتوفين كان بين 1976 و1977 . والأرجح أن السبب تمثل في عدم القدرة على التأقلم مع قساوة الطبيعة وظروف الاحتجاز. في سنة 1976، شهدت لوحدها وفاة 17 محتجزاً. وكل من بقي على قيد الحياة، تم ترحيلهم إلى قلعة مكونة يوم 23 أكتوبر 1980. وتجدر الاشارة إلى أن الآلة العقابية وآلية الاخضاع والتدجين طالت كذلك الساكنة المجاورة إذ، حُرمَ السكان من التجول ليلاً أو ارتياد سطوح المنازل صيفاً… وأُجبروا على إخراس ألسنتهم عن الحديث أو السؤال عما يجري داخل القصر- المعتقل. بل، كانت حتى الطريق المحاذية لها تُغلق في وجه المارة في أية لحظة، لإفساح المجال لمرور قافلة متجهة إليه أو عائدة منه.