درب مولاي الشريف ـالدار البيضاء
«هناك، يُحرم المرء، ويديه مكبلتين بأغلال، ليلا ونهاراَ، يحرم من الرؤية ومن كل حواسه، يحرم من الحياة ويُحرم حتى من وعيه بإنسانيته» أبرهام السرفاتي
يوجد درب مولاي الشريف بالحي المحمدي (كريان سنطرال، سابقاً) بمدينة الدار البيضاء. تم التخطيط لبنائه ، أول الأمر، ليكون مركزاً أمنيا في فترة الحماية الفرنسية ( 1912-1956)، باعتبار التركيبة البشرية الكثيفة من البادية إلى المدينة التي كانت تكونه آنذاك، و اعتباراً كذلك، لما شهده الحي من تنام للزخم النضالي التحرري ضد الاستعمار الفرنسي. غير أن إنجاز المشروع لن يحدث إلا مع بداية سنوات الاستقلال سنة 1959. بحيث ظلت مفوضية الشرطة (درب مولاي الشريف)، تابعة للفرقة الوطنية (حسب تقرير هيأة الانصاف والمصالحة)، والتي كانت تتابع فيه كل القضايا التي تصنف في خانة المس بأمن الدولة والجرائم السياسية ومنها قضايا تزوير الأموال والمخدرات.
بني مركز مولاي الشريف كعمارة على مساحة 1451 مترمربع. وهي، حتى الآن، مشكلة من 4 طوابق وتحتوي على 35 شقة، مخصصة لإيواء موظفي الأمن الوطني. أُستعمل دورها الأرضي، بداية، كمفوضية للشرطة، قبل أن يتحول بعد ذلك إلى مركز سري للإعتقال والاختطاف. كانت تؤمن حراستَه، وبالتناوب، أربع فرق حراسة تابعة للوحدتين المتنقلتين، الثالثة والرابعة. تتحدث عدة روايات عن وجود قبو تحت العمارة، يمتد على مساحة تتجاوز مساحة العمارة.
وليس غريباَ أن يتحول المكان إلى أسطورة تُنسج حوله الحكايات الرهيبة، خاصة وأن رهبته وهيبته طالت الدني والبعيد، وصار المرور بالقرب منه لا يتم إلا بتوجس وخوف. يمكن اعتبار المعتقل السري السابق درب مولاي الشريف مركزاَ وطنياَ، للإخفاء القسري خارج القانون. ففيه يُجمع المعتقلون من كافة الأقاليم، ليتم توزيعهم بعد التحقيق والاستنطاق نحو مراكز أخرى سرية أو سجون علنية. استضاف درب مولاي الشريف، منذ استقلال المغرب 1956، عدة مجموعات من مشارب سياسية أو نقابية أو جمعوية، ارتبط أغلبها بأحداث سياسية أو بانتفاضات شعبية أوبحركات تمرد وعصيان…
تبدأ معاناة المعتقلين بالدرب منذ اللحظة الأولى للاستقبال. فهم يتحولون إلى مجرد أرقام، تكبل اليدين بالأصفاد وتغطى العيون بعصابات وعليها أن تلتزم الصمت وتنفذ التعليمات، بعدم التحرك من المكان، دون إذن مسبق. وكل مخالفة مآل صاحبها العقاب. يشهد أبراهام السرفاتي على ذاك بقوله: ” إنه الجحيم الذي يُمحى فيه الزمان، ويُشابه فيه الليلُ النهارَ، بفعل الضوء الساطع والدائم الذي تبعثه مصابيح كهربائية، تجعله يُخفي إيقاع الليل والنهار والفصول…هناك، يُحرم المرء، ويديه مكبلتين بأغلال، ليلا ونهاراَ، يحرم من الرؤية ومن كل حواسه، يحرم من الحياة ويُحرم حتى من وعيه بإنسانيته “. أما المعتقلات الفتيات والنساء، فإن المعاناة تغدوا مضاعفة، حيث يمتد إمعان الجلاد في التعذيب والإهانة والاذلال والتحقير أقصى درجات السادية الذكورية. (طيب بياض، محمد حاتمي، الإعتقال، التقاسم، الفضاءات والذاكرة، ص: 266. المجلس الوطني لحقوق الانسان، منشورات ملتقى الطرق 2015)