المعتقل السري قلعة مكونة
على بعد حوالي تسعين كلم إلى الجنوب الشرقي من مدينة ورزازات وتحديداً في قلعة مكونة، تثير انتباه عابر السبيل صخرة ضخمة جاثمة على ظهر ربوة تفصل بين متناقضين: صخرة سيزيف رمز الشقاء وشرفة للإطلالة على بانوراما ساحرة من ورد ونخيل منتشر على طول وادي مكَون. لكن فوق المنظر الأخاذ، وخلف صخرة الفرجة والشقاء معاً تنتصب بناية اعتبرت لغزاً بالنسبة للكثيرين، إلى حين. هل هي مجرد بناء عادي لمؤسسة ما تشتغل في النور؟ أم مكان للاحتجاز والابعاد القسري؟ وبالتالي عنصر نشاز في بيئة ارتبطت في المخيال الجماعي للمغربة بالورد إنتاجاً ومهرجاناً ؟ (طيب بياض، محمد حتمي الاعتقال، التقاسم-فضاءات والذاكرة، المجلس الوطني لحقوق الانسان، منشورات ملتقى الطرق، الدار البيضاء، المغرب 2015)
قلعة مكونة إذن، بلدة هادئة رابضة بين الأطلس الصغير والكبير، والتابعة إداريا لإقليم تنغير، تستقبلك واحة الورد والنخيل قبل القلعة التي يمنح الصعود إليها إمكانية الاطلالة على منظر جميل، سرعان ما يتبدد ليتحول المشهد إلى صورة حزينة لوجود مقبرة لفضتها آلام نزلاء القلعة/ مركز الاعتقال والاخفاء القسري لحظة سنوات الرصاص المغربية. يظهر مركز الاخفاء القسري من الخارج على شكل قصبة أشبه بقصور مناطق الجنوب الشرقي المغربي، صممت في الأصل لزرع هيبة و رهبة السلطة الاستعمارية الجديدة، حينها. استعمل المركز لغرض الاحتجاز والاخفاء القسري منذ 23 أكتوبر 1980، وهو تاريخ ترحيل المعتقلين بأكدز إليه. وتم إغلاقه بعد الافراج عن من بقي من المعتقلين على قيد الحياة بتاريخ 12 يوني 1991، وتحويل ثلاثة منهم إلى مركز آخر للإعتقال بسد المنصور الذهبي. كان مركز الاعتقال بقلعة مكونة، في الأصل عبارة عن ثكنة عسكرية تابعة للجيش الفرنسي، شُيدت أيام ما كان يُعرف بتهدئة المنطقة. أي إخضاعها عسكرياً بالقوة لسيطرة الاحتلال الفرنسي. ولا يزال المركز إلى اليوم تابعاً لإدارة القوات المسلحة الملكية. تم تنقيل المعتلين من أكدز إلى قلعة مكونة من طرف القوات المساعدة ، دفعة واحدة عبر شاحنات محروسة من طرف الدرك الملكي ، وقد قُدر عدد المحتجزين بالقلعة بحوالي 400 محتجز، غالبيتهم من المناطق الجنوبية، (الصحراء)، وهم المتهمون بتبني الانفصالية عن المغرب.
أدت ظروف الاحتجاز المزرية والقاسية وسوء التغذية وانعدام العناية الصحية إلى فقدان بعض المعتقلين لقدراتهم العقلية، فضلا عن تدهو الحالة الصحية لأغلبهم، حيث تفشت بينهم الأمراض المزمنة مثل الربو والروماتيزم وأمراض الجهاز الهضمي والتناسلي والبولي، كما أسهمت الظروف المناخية القاسية من حرارة مفرطة صيفاً وبرودة شديدة شتاءً،مما أدى إلى وفاة 16 ضحية. المقبرة تبتعد المقبرة التي احتضنت المتوفين بحوالي 200 متر عن مركز الاعتقال. إنطلاق فعاليات هيأة الإنصاف والمصالحة (2004-2005) تم تسييج المقبرة وإقامة شواهد للقبور، سجلت عليها الأسماء وسنوات الإزدياد والوفاة. أغلب أصحابها توفوا سنة 1986، وهي السنة التي صادفت، حسب بعض الشهادات، سنة برد قارس. وبهذه المقبرة دفن المعروف بأبي فادي، الذي يرحج أنه كان يحمل الجنسية اللبناني، والمزداد بتاريخ 29 ماي 1950 والمتوفى بمعتقل سري آخر، واقع في سد المنصور الذهبي قرب مدينة ورزازات في 23 يوليوز 1992.
ظل المحتجزون رهن الاعتقال بهذا المعتقل في شبه نسيان تام إلى أن تم إطلاق مجموعة بنوهاشم بتاريخ 30 دجنبر 1984. من هذا التاريخ يبدو أن طابع السرية عن هكذا مركز سري للإخفاء القسري. وتجدر الإشارة إلى أن أحد السجانين (عسكري لدى القوات المساعدة) لا زال يقوم بمهمة حراسة بناية المركز، وفي نفس الوقت مكلف تنظيم الزيارات إليه. كما أن مجموعة من الأدوات التي كانت مستعملة في المركز، من طاولات وأواني للطبخ وحقائب وسبورة للتعليم من إنتاج المحتجزين وجميعها تم تكديسها في باشوية قلعة مكونة…