الامن العسكري حلب

سوريا

ويقع فرع الأمن العسكري، أو فرع التحقيق العسكري في حلب، في مبنى ضخم يتكوَّن من عدة أبنية أخرى، تشبه -مجتمعةً- قلعةً تقع عند تقاطع حي الشهباء وأحياء حلب الجديدة مع حي الفرقان، والأحياء الثلاثة هي أهم أحياء حلب وأرقاها. وذلك المبنى كان في السابق يضم ساحة واسعة، بالإضافة إلى عدد من المباني في الحي السوري (السرياني)، الذي كان حيًّا شعبيًّا قديمًا تقطنه أغلبية مسيحية وآشورية، وهو من أهم الحصون الأمنية في المنطقة؛ إذ إنه يمثل نظام حافظ الأسد ونجله بشار. ويُشتَهر هذا الفرع بكادره القاسي العنيف؛ بسبب العلاقة الوثيقة بين القائد الأعلى للمخابرات العسكرية والغرف الخاصة بالقصر الرئاسي في حلب من ناحيةٍ، ومن ناحية أخرى لأنه يمثل القبضة الحديدية للنظام، التي تُستخدَم لقمع كل الشعب السوري وإخضاعه.

هذا الفرع معروف أيضًا بارتفاع معدل الوفيات بين معتقليه، فكل مَن يُستدعَى لهذا الفرع من المواطنين لا يُرجَّح أن يخرج منه على قيد الحياة، بل نادرًا ما يحدث ذلك.

وقد نُقل الفرع إلى مبنى جديد يعود تاريخه إلى عام 2009، وهو الآن مُجهَّز بمجموعة متنوعة من الأسلحة والذخيرة، التي تجعله قادرًا على مواجهة أي هجوم متصوَّر، وهو ما يفسِّر سبب نجاته من الحرب حتى الآن.

ومع بداية الأزمة السورية، حدثَ انفجارٌ هائل في ذلك الفرع، انتشرت على إثره جثث لأكثر من 300 معتقل سابق على ما يبدو، كانوا قد تعرضوا للتعذيب حتى الموت في الأقبية المحصَّنة، وقد دبر النظام هذا الانفجار، وألقى بالتهمة على المعارضة، وذلك رغم بقاء المبنى سليمًا، ما عدا بعض الخدوش البسيطة على الحوائط الخارجية. 

وكان نهج ذلك الفرع في التحقيق هو تعذيب المحتجز أربع ساعات متتالية، دون أن يُسأل عن اسمُه، وهدفهم من ذلك تدمير قدرته على المقاومة، أو إخفاء أي معلومات قد تؤثر عليه أو على أسرته. وعند هذه النقطة، يُجبَر المعتقل على كتابة [وتوقيع] بيان يتضمن الاعتراف بجميع التهم الموجَّهة إليه.

ويعرف مَن دخلوا هذا الفرع - وقد التقيتُ العشرات من الناجين من هذا السجن، سواء في الثمانينيات أو بعد 2011 - أن 65٪ فقط من المعتقلين يخرجون أحياء، نتيجة التعذيب المفرط لانتزاع المعلومات، أو إجبار المعتقلين على الاعتراف بأي تُهم تُوجَّه إليهم. 

ويقع هذا الفرع في نهاية شارع النيل، قرب تقاطع الطريق الدائري الشمالي، في منطقة تتميز بالمباني الحديثة والجميلة في حلب، حيث يقطن معظم أساتذة جامعة حلب وكبار رجال الأعمال.

وقد أُنشِئ هذا الموقع بُعَيْدَ بداية 2011، في الوقت الذي بدأت فيه المظاهرات ضد النظام القمعي، وكان يقع في السابق في حي الفيض قرب مبنى نادي ضباط الصف.

ورؤساء هذا الفرع لديهم علاقات قوية وشخصية وخاصة مع القصر الجمهوري؛ لأنه مُكلَّف بمهامَّ تجريبية تُنفَّذ على المواطنين السوريين.

وربما نتذكر جميعًا الأحداث التي أُجبِرت فيها نساء حلبيات ودمشقيات على خلع حجابهن في الأماكن العامة، وكان هذا الفرع في حلب ونظيره في دمشق هما ما أدارا الحدث ونقلا تداعياته إلى القصر الجمهوري دقيقةً بدقيقة؛ وذلك لأجل تقييم رد فعل السوريين على مثل هذا الفعل. 

ويُعرَف هذا الفرع كذلك، مثل أخوانه من الفروع الأخرى، بكثرة الاعتقالات التعسفية للمواطنين السوريين، وشدة التعذيب الذي يلقونه فيه.

ويتمتع هذا الفرع - أحيانًا - بصلاحية أن يعارض بعض قرارات الضباط في القصر الجمهوري بموافقة الرئاسة. فمثلًا، أصدر القصر الرئاسي بدمشق أربعة أوامر بالإفراج عن المعتقل الدمشقي العميد جميل عكام، الذي احتجزته المخابرات الجوية. فامتثل الفرع - أربع مرات متتالية - لأوامر التوقيف، وأطلق سراح المعتقل المعنيّ، ثم اعتقله فورَ خروجه إلى الشارع أمام المبنى! وفي نهاية المطاف، لم يعلق القصر الجمهوري على الحادث بأي ملاحظة تُذكَر. 

ولكن هذا الفرع كذلك، على العكس من نظرائه، يتميز بنهجه الفريد في التعامل مع مَن اقتربوا مِن قضاء مدة أحكامهم. فمن الناحية العملية، عندما يقضي المحتجز مدة عقوبته في السجن، مع ملاحظة أن الأحكام الصادرة عن المحكمة الميدانية هي من أشد الأحكام وأقساها وأظلمها على وجه الأرض، يُنقَل إلى الحبس الانفرادي، ويُودَع في الحبس الاحتياطي بانتظار المحاكمة الرئاسية. وقد يستغرق إصدار العفو 5 أو 10 سنوات أخرى، مثل ما مر به آلاف الشباب السوريين. وبعد أحداث عام 2011، ووسط كل الزخم الذي جلبته، كان لهذا الفرع دور مروِّع في اعتقال الآلاف من الأفراد، وإعدام العديد منهم، ثم رمي جثثهم في مقابر جماعية يعرفها كل أهل حلب تقريبًا، بل قد يحرق أغلبية هذه الجثث أو يُمثِّل بها، بينما لا يزال كثير منها في عداد المفقودين حتى اليوم. ورغم ذلك، نفى الفرع، من جانبه، في المقام الأول أي صلة له بالضحايا.

 

خريطة توضح مواقع مراكز الاحتجاز التي تم التعرف عليها من قبل عدة شهود ، هيومن رايتس ووتش ، 3 يوليو / تموز 2012
خريطة توضح مواقع مراكز الاحتجاز التي تم التعرف عليها من قبل عدة شهود ، هيومن رايتس ووتش ، 3 يوليو / تموز 2012