تدمر
تعتبر منظمة العفو الدولية سجن تدمر المركزي مرادفًا لـ"الوحشية واليأس واللاإنسانية".
يقع سجن تدمر شمال شرقي دمشق على بُعد 200 كيلومتر، في صحراء حمص، قرب موقع تدمر القديم. ويُصنَّف السجن على أنه من بين أكثر مراكز الاحتجاز شهرةً في العالم. وتعتبر منظمة العفو الدولية سجن تدمر المركزي مرادفًا لـ"الوحشية واليأس واللاإنسانية". ويرجع تاريخه إلى زمن الاحتلال الفرنسي، عندما أمرت سلطات الانتداب الفرنسية ببناء مجمعٍ ليكون ثكنة عسكرية، وبعد استقلال سوريا، جعلته السلطات السورية سجنًا لمن ارتكب جرائم عادية من أفراد الجيش. لكن ذكرت بعض التقارير أن الدولة، منذ عام 1966، بدأت في استخدام سجن تدمر هذا لحبس المعتقلين السياسيين، وخاصة مَن اتُّهِم منهم بالارتباط بالإخوان المسلمين.
وفي المدة بين عامَيْ 1980 و1996 اعتاد النظام السوري أن يدفن الجثث في منطقة قريبة من سجن تدمر العسكري، في منطقة تُعرف بـ"وادي عويضة". ولهذا، فبعد إعدام السجناء، أو عند وفاتهم تحت وطأة التعذيب، عادة ما يتولى جنديان من الشرطة العسكرية التي تشرف على السجن أمر هذه الجثث، فيُلقِيانِها في شاحنة كبيرة؛ إذ يمسك أحدهما الجثة من الكتفين، والآخر من القدمين، ثم يرميانها في الحافلة. وها هو أحد السجناء يخبرنا بنفسه عن الأمر قائلًا: "اعتدنا حساب عدد الجثث على أساس عدد أصوات الطرقات في الشاحنة". وفي فترة السبعينيات، وفي ظل حكم حافظ الأسد، وسَّعت الدولة السجن بإضافة أبنية جديدة له، وبحسب تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية في 2001 ، صُمِّم السجن العسكري "لإحداث أقصى قدر من المعاناة والخوف والإذلال" للمساجين، ولإبقائهم تحت رقابة صارمة عن طريق تحطيم معنوياتهم. والسجناء هناك يُعزَلون عن العالم الخارجي، ويُمنَعون من التواصل بعضهم مع بعض؛ والموت يأتي هناك بغتة في أي وقت. وبحلول أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، كان أكثر نزلاء السجن من المدانين بارتكاب جرائم سياسية.
وفي الفترة ما بين 1980 و1990، ومرة أخرى وفقًا لمنظمة العفو الدولية، سجن النظام ما يُقدر بحوالي 20 ألف شخص في سجن تدمر. وقد أدت الحملة القمعية التي قادتها الدولة على حركات المعارضة خلال تلك الفترة إلى اكتظاظ شديد في الزنازين الجماعية أو عنابر السجن، حتى وصل الأمر في تلك الزنازين، في بعض الأحيان، إلى أن بعض السجناء كانوا يتناوبون على الوقوف لينام الآخرون. وكانت الغالبية العظمى من هؤلاء المعتقلين من جماعة الإخوان المسلمين، وهناك أيضًا أعضاء من حزب العمل الشيوعي، والمكتب السياسي للحزب الشيوعي، وفصيل موالٍ للعراق من حزب البعث، وأحزاب يسارية أخرى محظورة. ولأن سجن تدمر كان أشدَّ السجون تنكيلًا وعقابًا بين شبكة السجون السورية، فغالبًا ما كانت الأجهزة الأمنية ترسل المعتقلين هناك، ليكون ذلك وحده أحد الأشكال الإضافية للانتقام، إذا رفضوا الاعتراف، أو توقيع قسم الولاء. وفي بعض الحالات، مثل قضية الحاج صالح، كان السجناء يُنقَلون إلى تدمر بعد انتهاء مدة عقوبتهم الأصلية.
وما زالت الذاكرة السورية تستحضر مجزرة سجن تدمر التي وقعت عام 1980، إذ أعدمت سرايا الدفاع، التي كانت في ذلك الوقت تحت قيادة رفعت الأسد، شقيق الرئيس السابق حافظ الأسد، آلاف السجناء في زنازينهم. وكان العديد من الإخوان المسلمين، والكثيرون غيرهم ممن اتُّهِموا خطأً بالانتماء إلى الجماعة الإسلامية، أول مَن كتبوا مذكرات عن مصائب سجن تدمر، ونُشِرَ كثير من شهاداتهم بشكل غير رسمي. ومع وصول بشار الأسد إلى السلطة في 2000، أعلن رسميًّا إغلاق سجن تدمر، ليعاد فتحه في 2011 لاستيعاب المزيد من السجناء بُعَيْدَ الثورة السورية، وقد استولى مسلَّحو داعش على السجن ودمروه في مايو 2015.