سجن غار الملح
جزء من هذا السجن كان يُسمَّى 'عنق الجمل'، وكان مظلمًا رطبًا للغاية، ويفتقر إلى الهواء النقي.
تقع 'كرّاكة غار الملح' في مدينة غار الملح الشاطئية التَّابعة لولاية بنزرت، وموقعها الجغرافي هذا يُسهِّل التحكُّم في مراقبتها؛ إذ لا يمكن النَّفاذ إليها إلا من ناحية واحدة.
وكان هذا السجن في الماضي ينظر إليه على أنه حصن أو قلعة، ويعود بناؤه هذا في شكله الحالي إلى زمن الصِّراعات التُّركية-الإسبانية في البحر المتوسط، فقد بدأ حينذاك سجنًا، وكان مقرًّا كذلك للفصل في القضايا في عهد البايات، ثم تحت السيطرة الفرنسية وبُعَيد الاستقلال. ثم تعاقبت عليه حكومات ما بعد الاستقلال وجعلتْه نكالًا لمن يزعجها من المعارضين، وسجناء الحق العام من ذوي الأحكام الطويلة المُدد. وكان جزء منه يُسمَّى 'عنق الجمل'، وهو مكان مظلم ورطب تمامًا، لا يكاد الهواء داخلَه يتبدَّل. وكان مخصصًا لكبار المعارضين، فيُقيَّدون داخلَه بقيود مشدودة إلى الحائط، ولا يخرجون منه إلا نادرًا، ويُترَكون هناك يُجلَدون ويُهانون وسط باحة الحصن.
وكان غالب المسجونين بالكرَّاكة مجبرين على أداء أعمال شاقة ينجزونها تحت السياط. حتى قيل إن أحد حراس السجن كان يضع قبعته على مكان فيه يمر حذوه السجناء في صفوفهم الماضية نحو السُّخرة ويتخفَّى، وكلما لاحظ أن أحد السجناء لم يحيِّ القبّعة بما يناسبها من إجلال وخضوع بادر بضربه بأي أداة حادة يمكنه الوصول إليها. ويقال إنَّ سجينًا على الأقل تُوفِّي جرَّاء ذلك، ونقَلَ بعضهم أن أحد اليوسفيين فقد إحدى عينيه في ظروف مماثلة.
ثم أُغلقت كراكة غار الملح سنة 1964، ونُقِل المعتقلون بها إلى محبس 'برج الرومي'، الذي غدا يُسمَّى منذ تسعينيات القرن الماضي بـ 'الناظور'، وتجري حاليًّا أعمال ترميم هدفها تحويل القلعة إلى مَعْلم سياحي - ثقافي.