وزارة الداخلية

تونس
1955-present

يعد موقع مباني وزارة الداخلية موقعًا حساسًا في وسط العاصمة، وهو ما يجعلها أقرب إلى مركز جغرافي وإداري. وهذه المباني العديدة تحتل مساحة شاسعة، بُنِيَت مطلع القرن الماضي. المبنيان الأساسيان منه بُنِيَا مع تصاعُد الاحتجاجات الاجتماعية واحتداد الحركة الوطنية، فاختير موقعهما قرب الميناء. وقد انتهت أشغال المبنى الرمادي الكبير الأول سنة 1955، وجُعِلَ إدارةً للأمن. وبعد الاستقلال شغلت الداخلية المبنيين بمصالحها المختلفة، وعُرف المبنى الواقع عند زاوية شارع بورقيبة وشارع الحسين بوزيَّان، والمتميز بلونه الأبيض وما بعده من المبنى المجاور، بكونه يضم مصالح الاستعلامات والاستخبارات ومصالح أمن الدولة أو إدارة أمن الأراضي.

وطوال حكم بورقيبة وابن علي، كانت استجوابات المعارضين من مختلف انتماءاتهم، وأيَّا ما كانت التُّهم الموجهة إليهم، تجري في مكاتب المبنيين المخصَّصة للتعذيب. وبعد كل حملة اعتقالات جماعية واسعة، يوضع الموقوفون من هذه الحملات في زنازين تشغل منطقة الدهاليز. وهذا هو السبب الأساسي الذي جعل المكان يبدو مثل القطب الجاذب للمحتجين يوم 14 يناير 2011، ودفع الكثيرَ إلى أن ينادوا بوضع حد لتورُّط الداخلية في هذا المكان. وقد عمدت السلطات الحاكمة الجديدة، لمَّا تعالت الأصوات الداعية إلى فتح المكان للعموم، وتحويله إلى مَعْلم للذاكرة، إلى فتحه مرة أو مرتين في وسائط الإعلام. لكنه لم يُفتَح للعامة إلا بعد تبديل ملامحه ومظاهره وتجميله بدَهْن حوائطه، وإزالة آثار إشغاله، وما كان يُقترَف فيه، كآثار الدماء والكتابات على الحوائط. ومن المعلوم أن آخر مَن أُطلِقَ سراحه من هذا المكان هو المعارِض اليساري حمَّة الهمَّامي، إذ خرج منه يوم الثورة، ولا يعلم هل عادت زنازين المكان إلى سالف نشاطها بعدُ أم لا.

وعن معلم الضمير هذا، يقول الصادق بن مهنِّي في كتابه 'سارق الطماطم أو زادني الحبس عمرًا': "... ثم تُقذَف قذفًا داخل ذلك المبنى الملاصق للبناية الرمادية عند تقاطع الشارع الكبير وشارع حسين بوزيان، حيث ستقف وابنتك ذات 14 جانفي [يناير] 2011 بين آلاف من بني وطنك تهتفون في تحدٍّ لم يتوقعه أحد، تنادون بزوال الحَيْف والضَّيْم والعسف والفساد.

وينفجر التهليل ويطلقون العنان لفرحهم بالقبض عليك وتسمعهم يحصون المغانم الآتية، ويهنِّئون بعضهم البعض بنصر مبين." (سراس للنشر، الطبعة الثالثة، تونس، 2017، ص.21).

الجلسة العامة الأولى التي عقدتها هيئة الوطنية والكرامة في سيدي بوسعيد ، تونس ،إريك غولدستين / هيومن رايتس ووتش, 17 نوفمبر / تشرين الثاني 2016
الجلسة العامة الأولى التي عقدتها هيئة الوطنية والكرامة في سيدي بوسعيد ، تونس ،إريك غولدستين / هيومن رايتس ووتش, 17 نوفمبر / تشرين الثاني 2016