مجزرة الأقبية في جيزرة

تركيا
21 آذار/ مارس من العام 2013

في 21 آذار/ مارس من العام 2013، تُلِيَت رسالةُ عبدالله أوجلان الدّاعية إلى السّلام خلالَ المراسم الاحتفاليّة الّتي أُقِيمت في ديار بكر بمناسبة حلول عيد النّوروز. وقد كانَ ذلكَ بمثابة دعوة إلى إنهاء النّزاع المُسلّح الّذي كان دائرًا حينئذٍ بينَ الدّولة التركية وحزب العمّال الكُردستاني منذ أكثر من ثلاثة عقودٍ. وكانت المُفاوضات بينَ الطّرفَيْن المُتنازعَيْن قد دامت أقلَّ من ثلاث سنوات، وانتهت غداةَ الانتخابات العامّة الّتي جرت في 7 حزيران/ يونيو من العام 2015. ثمّ احتدمَت المواجهات بينَ حزب العمال الكردستاني وقوّات الحكومة التركيّة بعدَ أن أعلنَ الحزبُ الحكمَ الذّاتيّ في المُدن الكُرديّة. واستمرّت تلكَ المواجهات حتّى آذار/ مارس من العام 2016، فقُتِلَ خلالها المئات من الأكراد، المدنيين والعسكريّين على السّواء، وأُرغِمَ حوالى نصف الشّعب الكُردي على النّزوح. 

في 10 آب/ أغسطس من العام 2015، أطلقَ حزب المناطق الدّيمقراطيّ بيانًا مِن منطقة شرناق أعلنَ فيه حُكمها الذّاتي. وقد شكّلَ ذلكَ باكورة إعلانات الحكم الذّاتي الّتي توالَت، واحدًا بعدَ الآخر، على مدى الأيّام والأشهر اللّاحقة. وبعدَ مضيّ فترةٍ من الزّمن، فرضَت الحكومة حظرَ التّجوّل في المُحافظات الّتي أعلنت حكمها الذّاتي. وتلت ذلكَ اشتباكاتٌ عنيفة وقعت مع المدنيين في محافظاتٍ ومناطقَ شتّى. وبحسبِ البيانات الّتي جمعتها مؤسسة حقوق الإنسان في تركيا، فإنَّ الفترة المُمتدّة ما بين 16 آب/ أغسطس من العام 2015 و18 آذار/ مارس من العام 2016، قد شهدَت فرضَ ما لا يقلّ عن 63 حظرًا للتجوّل على مدار السّاعة ولأجلٍ غير معلوم، في 22 منطقةٍ على الأقل، بمَا فيها ديار بكر وشرناق وماردين وحكاري وبطمان وموش وإلازغ. وعلى مدى تلكَ الفترة، قُتِلَ 310 مدنيًّا، بمَن فيهم 72 طفلًا و62 امرأة و29 شخصًا تفوق أعمارهم السّتينَ عامًا، خلال الاشتباكات. 

فُرِضَ حظر تجوّلٍ في جيزرة مرّاتٍ عدّة خلالَ الاشتباكات، لكنَّ أطولها أمدًا وأشدّها عنفًا دامَت من 14 كانون الأوّل/ ديسمبر من العام 2015 حتّى 2 آذار/ مارس من العام 2016، أي حوالَى ثلاثة أشهر. وبحسبِ تقريرٍ أصدرته جمعية حقوق الإنسان والتّضامن مع المظلومِين، "مظلوم در"، لقي ما بين 203 أشخاصٍ و266 شخصًا مصرعهم خلالَ حظر التّجوّل العسكريّ والاقتتال الدّائر بينَ قوى السّلطة والعسكريين في جيزرة، وقد قُتِلَ أغلبهم حينَ أغارَت قوّات الأمن التركيّة على ثلاث أقبيةٍ سكنيّة حيثُ كانَ يحتمي آلاف الأشخاص من إطلاق النّار. ويُفيدُ تقريرٌ أعدّه مكتب المفوضّية السّامية لحقوق الإنسان استنادًا إلى مُقابلاتٍ أُجرِيَت مع شهودٍ وأقارب ضحايا الأقبية، أنَّ نحو 189 شخصًا، جُلّهم من النّازحين داخليًّا الفارِّينَ من العمليات الأمنية، حُوصِرُوا لأسابيعَ طوال في الأقبية، من دونِ إمدادهم بالماء والطّعام والعناية الطّبية والطّاقة الكهربائيّة، وذلكَ خلال أكثر أشهر السّنة بردًا، ممّا أدّى إلى مقتلهم. وقد استخدمَ بعضُ الضحايا هواتفهم من أجلِ لفت الانتباه إلى انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة الّتي تحصلُ في الأقبية. ولعلَّ أبرزُ أوجه الاستخدام هذا هو الاتّصال الهاتفي الّذي أجراه محمّد تونش، قبلَ أن يلقَى حتفه، مع قناة نوتشي التلفزيونيّة، فَأسمَعَ العالمَ صوتَه لكنَّ أيَ مُساعدة لم تأتِ لنجدةِ الأكراد المُحاصرين. 

ولا يزالُ مُرتكبو انتهكات حقوق الإنسان هذه بلا عقابٍ حتّى اليوم، ذلكَ أنَّ غالبيّة الدّعاوَى أسقطَتها المحكمة الدّستوريّة التركيّة. وقد صرّحَ المُحامون المُتابعونَ لِهذه القضيّة، أنَّ الدّولة لم تُنجِز أيّ تحقيقاتٍ فعليّة في المجازر المُرتكبة وقد أخفقت في الإيفاء بالتزاماتها، وذلكَ من خلالِ إسقاطها أغلب الدّعاوى والسّماح بتلفِ أدلةٍ أو طمسها، على غرارِ المقاطع المُصوّرة الّتي التقطها الكاميرات.

 

 

الناس يتجمعون أمام مبنى مدمر ، سرتاك كيار ، الجزيرة ، 2 مارس / آذار 2016
الناس يتجمعون أمام مبنى مدمر ، سرتاك كيار ، الجزيرة ، 2 مارس / آذار 2016

صور

عائلة تقف في مواجهة مبنى مدمر ، وكالة ميزوبوتاميا ، الجزيرة
عائلة تقف في مواجهة مبنى مدمر ، وكالة ميزوبوتاميا ، الجزيرة