ميدان تقسيم

تركيا
1960

شكّلَ بروز الحركات اليساريّة والمُنظمات العمّاليّة جزءًا من إعادة الترتيب السّياسيّ الّتي شهدتها تركيا في ستينات القرن المُنصرم، في ظلِّ تسارع وتيرة التمدّن والتّحوّل الصّناعيّ. وعلى الرّغم من التّدخل العسكري الّذي حصلَ في العام 1971، وما تبعه من حملاتِ اعتقالٍ واسعة وفرض قيودٍ على الحريّات المدنيّة، لم تنكفئ موجةُ الاحتجاجات والإضراباتِ والاعتصامات طوالَ عقدِ السبعينات. وكان من شأنِ مجزرة الأوّل من أيّار/ مايو الدّامي الّتي وقعت في العام 1977 في تقسيم، أن شكّلت نقطة تحوّلٍ أدّت إلى بروز المواجهات السّياسيّة بينَ المجموعات القوميّة واليساريّة، وإلى تفاقم العنف تحتَ رعاية الدّولة، ممّا أفضَى إلى وقوع الانقلاب العسكري في العام 1980.

ففي الأوّل من أيّار/ مايو من العام 1977، تجمّعَ مئات الآلاف من العمّال في ميدان تقسيم في إسطنبول، لإحياءِ يوم العمّال العالميّ. وفي ختامِ الكلمةِ الّتي ألقاها زعيم اتحاد النقابات العمّالية، كمال تركلر، أطلقَ مجهولونَ النّار على الحشود. فَكانَ رجالٌ مُقنّعونِ يقنصونَ العامّة من داخلِ مَبْنَيَيْن هما: فندق الانتركونتيننتال الّذي أُغلِقَ يومذاكَ رسميًّا بمناسبة يوم العمّال العالميّ، ومبنى مصلحة المياه البلديّة. وقد أدّى إطلاق النّار إلى الفوضى بينَ صفوف المُحتّجين الّذين حاولوا الفرار من الميدان. وفي تلكَ الأثناء، توغّلت آليات الشّرطةِ في الميدان، فزادَت هيجانَ الحشود وقتلَت بعضَ المُحتجّينَ صدمًا. وفي ما كانَ يُحاول بعض المحتّجين أن يلوذوا بالفرارِ، اتّجهوا إلى أحدِ مخارجِ الميدان، في شارع كازانسي، حيثُ تجمّعوا قبلَ أن يتزاحموا مجدّدًا على الخروجِ منه عندما سدّت شاحنةٌ منفذَه، فقُتِلَ الكثير منهم تدافعًا. وقد تبيَّنَ، بعدَ انقضاءِ الفوضى، أنّ 34 شخصًا قد لقوا حتوفهم و136 آخرين قد تعرّضوا لإصاباتٍ بالغة.

وبعدَ انتهاء الحادثة، أُلقيَ القبض على نحو 500 مُحتجٍّ، إلّا أنَّ التحقيقات القضائيّة لم تكشف النّقاب عن الوقائع قط. ثمّ استمرّت المُحاكمات حتّى العام 1989، لكنَّ عدم كفاية الأدلّة حالَ دونَ إدانة أيٍّ من الجُناة. ويعتقدُ اليساريّون أنَّ المجزرةَ كانت من تخطيطِ الدّولة العميقة التركيّة، المُتحالفة مع وحداتِ مُكافحة التّمرّد القادمة من الولايات المُتّحدة الأمريكيّة أو مع الجناح التّركي من تنظيم غلاديو المُعادي للشيوعيين خلال حقبة الحرب الباردة. وبُعيدَ وقوع المجزرة، صرّحَ بولنت إيسيفيت، الّذي تبوّأَ لاحقًا منصبَ رئيس مجلس الوزراء التّركي، قائلًا: "لا بدّ أن تُضبطَ فورًا بعضُ المُنظّمات والقوى داخل السّلطة والخارجة عن سيطرة القوانين الديمقراطية. إنَّ قوى مُكافحة العصابات شريكةٌ في الهجوم، ولها يدٌ في حادثة الأوّل من أيّار/ مايو". أمّا سرديّة الحكومة حولَ ما حدثَ، فتروي أنَّ مُقاتلًا كانَ بينَ صفوفِ المجموعات اليساريّة وهو مَن أثارَ الذُّعرَ في بادئ الأمر. ولا يزالُ المسؤولون الرّسميّونَ عن هذه المجزرة مجهولي الهويّة، وبذلكَ تكون الدّولة التركيّة قد منحَت الجُناة إفلاتًا من العقاب.

صور

صورةٌ من أيّار/ مايو 1977 الدّامي
صورةٌ من أيّار/ مايو 1977 الدّامي
المُحتجّونَ يحتشدونَ حولَ نصب الجمهوريّة في ميدان تقسيم، تخليد ذكرى تركيا
المُحتجّونَ يحتشدونَ حولَ نصب الجمهوريّة في ميدان تقسيم، تخليد ذكرى تركيا
صورةٌ من أيّار/ مايو 1977 الدّامي
صورةٌ من أيّار/ مايو 1977 الدّامي
صورةٌ من أيّار/ مايو 1977 الدّامي
صورةٌ من أيّار/ مايو 1977 الدّامي
صورةٌ من أيّار/ مايو 1977 الدّامي
صورةٌ من أيّار/ مايو 1977 الدّامي
المُحتجّونَ يحتشدونَ حولَ نصب الجمهوريّة في ميدان تقسيم، تخليد ذكرى تركيا
المُحتجّونَ يحتشدونَ حولَ نصب الجمهوريّة في ميدان تقسيم، تخليد ذكرى تركيا
المُحتجّونَ يحتشدونَ حولَ نصب الجمهوريّة في ميدان تقسيم، تخليد ذكرى تركيا
المُحتجّونَ يحتشدونَ حولَ نصب الجمهوريّة في ميدان تقسيم، تخليد ذكرى تركيا
صورةٌ من أيّار/ مايو 1977 الدّامي
صورةٌ من أيّار/ مايو 1977 الدّامي