سجن أولو كنلار
شُيِّدَ سجنُ أولو كنلار في العام 1925، بُعيدَ إقامة الجمهوريّة التّركيّة في العام 1923. ويعني ذلكَ أنّ الاطلاعَ على تاريخ هذا السّجن هو بمثابةِ تحليلٍ لتاريخ السّياسة في تركيا، فالكثيرُ من السّجناء السّياسيين احتُجزوا فيهِ. ولطالما كان السّجن آنف الذّكر، قبلَ إغلاقه في العام 2006، واحدًا من معاقِلِ انتهاكات حقوق الإنسان المُمنهجة وقد أثّرَ بالغَ الأثرِ في ذكرياتِ الأشخاصِ من مُختلف الأطياف السّياسيّة. هذا وقد نُفِّذَت في السّجن إعداماتٌ سياسيّة كثيرة، أوّلُها إعدامُ عاطف الإسكيليبلي في العام 1926. وكانَ عاطف خوجة الإسكيليبلي يُعرفُ بانتقادِهِ الحضارة الغربيّة وبهجومه على الدّولة العلمانيّة حديثة النّشأة. وفي أعقابِ الانقلاب العسكريّ الّذي حلَّ في العام 1971، أُلقِيَ ثلاثة قادة بارزين من الجيش الشّعبي لتحرير تركيا في سجنِ أولو كنلار، وتعرّضوا لشتّى ضروبِ التّعذيب. ثمّ حكمَت المحكمة بقتلهم، فأصدرَت قرارَ إعدامِ كلٍّ منهم، أي دينيز جيزميس، ويوسف أسلان، وحسين إنان، في 6 أيّار/ مايو من العام 1972. أمّا بعدَ الانقلاب العسكري الّذي وقعَ في العام 1980، حُبِسَ الطّالب اليساريّ، إردال إرين (البالغ من العمر 17 عامًا) في سجنِ أولو كنلار. ثمَّ أُعدِمَ في 18 كانون الأوّل/ ديسمبر من العام 1980، بعدَ أن بلغَ رسميًّا سنّ الثامنة عشرة، إذ لم يكن جائزًا قانونًا إعدامُ مَن هم دونَ هذه السّن.
ولعلَّ أحلكَ حقباتِ هذا السّجن التاريخيّة هي واقعةُ يوم 26 أيلول/ سبتمبر من العام 1999. إذ أرادَ الجيش زيادة شدّة العزلةِ في السّجن، فقرّرَ نقلَ السّجناء السّياسيّين من الغرف إلى الزنازين، وشنَّ عمليّةً داميّة في أبرزِ السّجون التركيّة، كانَ من شأنها استهداف السّجناء الّذينَ يتصدُّونَ لِهذا النّقلِ، من خلالِ الإضرابِ عن الطّعام والصّوم حتّى الموت. ففي 26 أيلول/ سبتمبر، أُطلِقَت العمليّة الأولى في سجنِ أولو كنلار، وكانت حصيلتها 10 قتلى وعشرات الجرحى المُصابينَ بجراحٍ خطيرة. وتُشيرُ التقارير الجنائيّة إلى أنَّ الجنود أطلقوا النّارَ على السّجناء من مسافةٍ قريبة. وعلى مدى الأشهر اللّاحقة، استمرّت التّدخّلات في سجونٍ مُختلفة وبلغت ذروتها في 19 كانون الأوّل/ ديسمبر، في إطارٍ حملةٍ أسمتها الدّولةُ "العودة إلى الحياة" فيما أطلقَ عليها السّجناء اسمَ "مجزرة 19 كانون الأوّل/ ديسمبر". وتجدرُ الإشارة إلى أنّ المحكمةَ العليا قضَت في العام 2008 بتبرئة 161 جنديًّا مِمّن ضلعوا في المجزرة آنفة الذّكر.
في العام 2006، أُغلِقَ السّجنُ بعدَ أن شُيِّدَ سجنٌ أوسعُ في أنقرة. وكانَت بلدية أنقرة ترغبُ، بدايةً، في أن تُصيِّرَ السّجنَ سوقًا شعبيّةً، إلَّا أنَّ مجلس معمارِيي أنقرة ومنظمات المُجتمع المدني مارسَت، مُجتمعةً، الضّغطَ من أجلِ تحويله إلى متحفٍ. فنظّمَ المجلسُ المحليّ مشروعَ تخليد ذكرى المُجتمع المدني، وفتحَ أبواب السّجنِ المُصَيَّرِ متحفًا في العام 2011، بعدَ أن عُدِّلَت عمارته تعديلًا كبيرًا. ولا يزالُ سجن أولو كنلار حاضرًا في الذّاكرة الجماعيّة ومؤثِّرًا في الثّقافة الشّعبيّة؛ فَمِنْهُ استوحَى المُخرجُ يلماز غوني فيلمَهُ الصّادر في العام 1983 واسمهُ "دوفار" (أي الحائط). أمّا الفيلم الّذي أُنتِجَ في العام 1989 واسمه "أوسورتمايي فورماسينلار" (أي لا تَدعهم يُصِيبُونَ الطّائرة الورقيّة)، فتُجسِّدُ بطلتُهُ نور سورير، شخصيّة السّجينةِ السّياسيّة الّتي قُتِلَت رميًا بالرّصاص في السّجن.
صور
مراجع
الذّاكرة الجماعيّة والقضيّة الشّعبيّة" متحف سجن أولو كنلار في تركيا، دراسات الذّاكرة، آب/ أغسطس 2021.
مَا خفِيَ في مَا عُلِمَ: صونُ التّراث المعماريّ كمعلمٍ للذاكرة، حالةُ سجن أولو كنلار في أنقرة، جامعة الشّرق الأوسط التقنيّة، كانون الأوّل/ ديسمبر 2021
متحف سجن أولو كنلار، تخليد ذكرى تركيا، 22 آذار/ مارس 2022