معتقل عنجر
تكشف هذه القضية بوضوح غياب الإرادة السياسية لكشف الحقيقة وتقديم إجابات لعائلات المفقودين.
يقع معتقل عنجر في أطراف بلدة عنجر في سهل البقاع، وكان مصنعًا مهجورًا للبصل، يبعد حوالي 300 متر عن مقر المخابرات السورية، و10 كيلومترات عن الحدود السورية و50 كيلومترًا من مدينة دمشق. وكان ذلك المصنع يتكون من مستودع كبير ومنشآت أصغر تجاوره، من بينها مبنى من طابقين، قُسم الطابق العلوي منه إلى زنازين عزل صغيرة.
وقد استخدام الجيش السوري معتقل عنجر هذا بدءًا من دخوله لبنان في 1976، وحتى انسحابه منها في إبريل 2000. وفي أثناء وجوده في لبنان، كان الجيش السوري وأجهزة المخابرات السورية، وبمساعدة حلفائه المحليين في كثير من الأحيان، يعتقل الأفراد اعتقالًا غير قانوني. وكان المعتقلون يُحتجَزون في مراكز اعتقال منتشرة في أرجاء الإقليم، أشهرها مقر استخبارات بيروت في فندق بوريفاج، ومركز توقيف طرابلس في المدرسة الأمريكية في القبة.
وقد نُقل المعتقلون الذين نجوا من الاستجواب، أو الذين لم يُطلق سراحهم، إلى معتقل عنجر، الذي كان يمثل المحطة الأخيرة داخل لبنان، قبل نقلهم خارج النطاق القضائي إلى سجون سوريا واحتجازهم هناك سرًّا. ووثَّقت جمعيات من الأسر ومنظمات غير حكومية أكثر من 600 حالة مماثلة، وتمكنت من جمع أدلة قوية تشير إلى احتجاز هؤلاء الأفراد، إضافةً إلى شهادات بعض المعتقلين السابقين الذين أُطلق سراحهم على مدار سنوات من السجون السورية. وحتى هذا الوقت، لم تعترف الحكومة السورية باحتجازهم على الإطلاق، رغم أن هناك أكثر من 150 معتقلًا لبنانيًّا، منذ عام 1998، أُفرج عنهم من السجون السورية. وفي الأغلب عُذِّب المعتقلون في معتقل عنجر للاعتراف بالجرائم التي اتُّهموا بها. وقد احتُجزوا سرًّا، دون السماح لهم بمحاكمة لائقة أو بزيارات من أفراد عائلاتهم. وفي حال لم يُفرَج عنهم، كان المعتقلون يُنقَلون خارج النطاق القضائي إلى السجون في سوريا تحت الظروف نفسها.
وقد وثَّقت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش روايات بعض المعتقلين الذين أُطلق سراحهم، وتحدثوا بالتفصيل عن ممارسات التعذيب التي مورست معهم، ومن بينها ثَنْي أجسامهم إلى الخلف بما يؤذي العمود الفقري، وتعليقهم من أيديهم أو أقدامهم بخطافات تستخدم لتعليق اللحوم، والجَلد، وصعق الأعضاء التناسلية بالتيار الكهربائي، وإجبار الضحية على الجلوس على أعناق الزجاجات، إلخ. وأُفيدَ أيضًا بأن بعض الضحايا ماتوا نتيجةً لهذا، أو أنهم أُصيبوا بأضرار جسدية أو عقلية دائمة. وبحسب تقرير نشره المركز اللبناني لحقوق الإنسان في عام 1999، أبلغ رئيس بلدية مجدل عنجر السيد شعبان عجمي السلطات باكتشاف عظام بشرية ورُفات.
وعلى الرغم من ذلك، انتظرت السلطات اللبنانية حتى انسحاب الجيش السوري من لبنان في 2005 لحفر الموقع، وبحسب الشهادات المذكورة، كما ورد في بيان لمنظمة العفو الدولية بتاريخ 5 ديسمبر 2005، فإن المقبرة الجماعية كان فيها أكثر من 30 جثة. لكن بعد عدة أشهر، أغلق القضاء اللبناني القضية، مشيرًا إلى أن الموقع لم يكن مقبرة جماعية، بل مقبرة تعود إلى العهد العثماني، وبذلك فإن هذه القضية تكشف جليًّا عدم وجود إرادة سياسية لكشف الحقيقة، وتقديم إجابات لأسر المفقودين.