دار المقري، الرباط

المغرب

“كل واحد مَر من دار المقري إلا وله حكايات و حكايات طويلة في موضوع التعذيب”

أحمد المنصور

 

لم تكن دار المقري مجرد منزل بمدينة الرباط، بالحي المعروف حالياً باليوسفية، بل يتعلق الأمر بقصر بديع يمتد على مساحة (8722 م2 )، بقاعات الاستقبال والضيافة وبجناح الحريم والحدائق الغناء. تحفة معمارية تجمع بين أنماط في البناء والزخرفة، يمتزج فيها المغربي بالأندلسي والإيطالي والتركي، بقبابها ونافوراتها و زخرفتها على الجدران والأبواب الخشبية ذات النوع المميز. يصادف من ولج بهوها الكبير على جداره الأيمن نقشٌ جميل يؤرخ للمكان، في صورة ثلاث أشكال مقوسة، بالعبارات التالية: “أُسس هذا المنزل المبارك في عهد صاحب الجلالة الملك المعظم المنصور بالله محمد بن يوسف أَيًد الله مُلكه، صاحب المعالي السيد التهامي ابن الوزير الصدر الأعظم السيد الحاج عبد السلام المفري، على يد المعلمين الأكفاء السيد الحاج المكي بن دورو والمعلم الحاج محمد بن عمار الجباص من سنة 1367 إلى سنة 1371 (الموافق لهجرة)”. (المجلس الوطني لحقوق الإنسان “الاعتقال التقاسم، فضاءات الذاكرة” ص: 111-122 ، الرباط، 2015)

دار المقري إذن، قصر شُيد بين سنتي 1947 و 1951 لصاحبه التهامي المقري، (نجل الصدر الأعظم. الذي عايش في عهده خمسة ملوك من السلالة العلوية) لكن مكر التاريخ، سيحول دون استمرار وظائف القصر الفسيح، قصر التهامي المقري الذي كان حينها، مندوباً للمالية على عهد الحماية الفرنسية، إذ ستُصادره الدولة المغربية، ليصير تابعاً لوزارة الداخلية التي جعلت منه مقراً للشرطة، بعد نقل مقرها العام من الدار البيضاء إلى الرباط، منذ بداية الستينات من القرن الماضي. وبتاريخ 20 أبريل 1971 الذي يصادف إصدار قرار، تم بموجبه تحويل وظيفة المكان من مقر للشرطة وللاحتجاز والتعذيب وربما تصفية الضحايا… إلى وظيفة أخرى، مفارقة، تعني احتضان منظمة الهلال الأحمر المغربي والتي من المفروض أن تنهض بالعمل الانساني، وفق مبادئ القانون الدولي الانساني,

تتحدث كثير من الروايات (مومن الديوري) عن أن المكان تحول إلى مركز سري للاعتقال السري خارج القانون، منذ بدية الستينات إلى أبريل 1971. و تحت نفوذ الجنرال أفقير، وعقب أحداث 1963 وبخاصة عقب أحداث الدار البيضاء 1965 سيتحول المكان إلى آلة جهنمية لتعذيب كثير من المعارضين والخصوم السياسيين للنظام. وهم الذين ينتمون إلى فئات عريضة، بدءً من أطر لأحزاب سياسية ونقابية وصحفيين أو مجرد متعاطفين… كما تتحدث كثير من الشهادات والروايات، أنه في سنة 1963 وفي المكان نفسه، سيتم احتجاز ضباط الطائرة المصرية، أسرى الحرب الحدودية بين الجزائر والمغرب (حرب الرمال)، والتي كان من ضمنهم الرئيس المصري السابق حسني مبارك.

كما أن أحمد بنمنصور، المعتقل في 13 مارس 1970 وهو الذي قضى بهذا المركز أربعين يومأ يحكي في شهادته لهيئة الانصاف والمصالحة عن ظروف الاعتقال قائلا: ” كل واحد مَر من دار المقري إلا وله حكايات و حكايات طويلة في موضوع التعذيب…والممارسات التي عانيت منها ما يقرب من 40 يوماً (…) بدأ التعذيب أولاً بصفعتين على اليمين والأخرى على اليسار حتى كدت يُغمى علي. بعد ذلك بدأ التعذيب، وأنواع التعذيب كثيرة جداً، منها التعليق ثم غطس الرأس في المياه العكرة المتعفنة والمليئة بالصابون وباقي أدوات النظافة. وهذه العملية كانت عواقبها جد خطيرة سواء على العينين أو الأذنين أو الأنف أو الأمعاء…”

سجن دار المكري الرباط.رول بنزاكين,۲۳ حزيران ۲۰۱٦
سجن دار المكري الرباط.رول بنزاكين,۲۳ حزيران ۲۰۱٦