سجن المزة - سوريا
بنى الفرنسيون سجن المزة العسكري في أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي على أنقاض قلعة عثمانية، وكانوا يستعملونه خلال الانتداب الفرنسي لتأديب العسكريين، ولإرهاب المجاهدين السوريين والقادة الوطنيين الذين عملوا من أجل استقلال البلاد. وبعد الاستقلال عام 1946، ظل السجن تحت إشراف الشرطة العسكرية، واستخدمه الجيش السوري المولود حديثًا مع شقيقه سجن تدمر لتأديب الضباط والجنود المتقاعسين عن أداء واجبهم، والمتمردين على النظم العسكرية. وقد تزامَنَ أول استخدام سياسي للسجن أثناء مرحلة الاستقلال مع انقلاب القائد الأعلى حسني الزعيم على السلطة الشرعية للبلاد، ممثلةً في الرئيس شكري القوتلي، ورئيس الوزراء خالد العظم في 30 مارس 1949، وذلك عندما اعتُقل رئيس الوزراء في هذا السجن لليلة واحدة، قبل أن ينضم إلى الرئيس شكري القوتلي الذي احتُجز في مستشفى المزة العسكري، والذي يبعد كيلومترات قليلة عن هذا السجن. وخلال فترة حكمه التي استمرت 137 يومًا، استخدم حسني الزعيم سجن المزة لاحتجاز المعارضين لحركته الانقلابية، التي كانت الأولى من نوعها في المنطقة العربية؛ إذ سجن قادة حزب الشعب والحزب الوطني. وبالمثل، جُلب مشعل عفلق، مؤسس حزب البعث، أيضًا إلى السجن.
وفي أثناء عصر الوحدة العربية بين سوريا ومصر (1958-1961)، استخدم رجل سوريا القوي عبد الحميد السراج سجن المزة على نطاق موسع لترهيب أي شخص يراه معاديًا للنظام الناصري في الإقليم الشمالي. وعندما وقع الانفصال بين سوريا ومصر في سوريا في 28 سبتمبر 1961، اختبأ عبد الحميد السراج في دمشق مدةً قصيرة قبل اكتشاف مخبئه، وسُجن بدوره في سجن المزة. ومنذ ذلك الحين، عُزل قادة سوريون في العديد من الانقلابات التي عاشتها البلاد، وأُرسلوا روتينيًّا إلى سجن المزة، إذ يُحتجَز فيه العديد من السجناء السياسيين في سوريا. وعندما اختلف الضباط الانفصاليون مع الرئيس ناظم القدسي ورئيس وزرائه معروف الدواليبي على بعض القوانين المعروضة أمام البرلمان، نفذوا انقلابًا ثانيًا في 28 مارس 1962، وسجنوا كبار رجالات الحكومة والنواب والشخصيات السياسية في سجن المزة. وعندما تولى حزب البعث السلطة في سوريا في 1963، أصبح سجن المزة من أشهر السجون السياسية، حيث يُعتقَل فيه معارضو الحكم. ومرة أخرى، مع انقلاب اللواء حافظ الأسد على قيادة الجيل الثاني من حزب البعث، أُحضر جميع أعضاء القيادة الوطنية إلى سجن المزة، ومن بينهم الدكتور نور الدين الأتاسي، رئيس الدولة الذي أمضى 22 عامًا رهن الاعتقال، والذي شُخِّصت إصابته بالسرطان في نهاية فترة حكمه، وأفرج عنه قبل شهرين من وفاته.
ربما كانت فترة حكم الرئيس السوري حافظ الأسد هي الأطول والأكثر استقرارًا في تاريخ سوريا الحديثة، لكن نتج عنها أيضًا أطول فترات الاعتقال في سجن المزة. ويُعَد الضابط مصطفى فلاح، الذي كان من أنصار حزب البعث العراقي، السجين السياسي الذي قضى أطول فترة في سجن المزة (27 عاما). فقد دخل مصطفى السجن عام 1971، وحُكم عليه بالسجن 15 عامًا، لكنه ظل رهن الاعتقال حتى مطلع عام 1998. ويقع السجن على هضبة عالية قاحلة مجاورة للجبل المرتفع الذي بُني عليه القصر الرئاسي في بداية ثمانينيات القرن المنصرم، وهذه الهضبة تطل على مدينة دمشق بالإضافة إلى السجن. وفي أعلى الهضبة طريق ممهد ومتعرج كانت عليه نقطتا تفتيش. وقد أُجبرت عائلات المعتقلين في الكثير من الأحيان على النزول من سياراتهم قرب الحاجز الأول، ومواصلة تسلُّق الطريق الجبلي سيرًا على الأقدام، على الرغم من كل الأشياء التي يجلبونها معهم إلى السجن، وعند وصولهم إلى مبنى السجن، يُفتَّشون بدقة مرة أخرى قبل دخولهم الفناء الداخلي للسجن.
ويتألف مبنى سجن المزة من مجمعين، يحتوي كلاهما على طابقين يفصل بينهما الفناء الداخلي للسجن. وكان القسم الداخلي من السجن يحتوي في الطابق الأرضي على ستة عنابر وعشر زنازين فردية ومزدوجة تُسمَّى "سلول أبو ريحة"، وتُعد أفظع ما في السجن. وكان حجم هذه الزنزانات عادة 3.2 أمتار، يحتوي كلٌّ منها على مرحاض مكشوف وشرفة خرسانية تشبه السرير. ولم يكن في الزنزانات أي فتحات للتهوية أو منافذ لأشعة الشمس. وغالبًا ما يُحتفَظ بالسجناء المحكوم عليهم بالإعدام هنا. وفي الطابق العلوي ستة غرف، إضافة إلى 14 زنزانة فردية وخمس غرف بأَسِرَّة تتسع لـ 20 شخصًا، مساحة كل منها 43 مترًا. وقد صُمِّم كلٌّ من العنابر العلوية والسفلية لتستوعب 25 نزيلًا، ولكن غالبًا ما كانت تؤوي ما يزيد على 60 نزيلًا. والسجن يفتقر إلى نظام تدفئة، ومعظم العنابر والزنازين والغرف لا تحتوي على مدافئ، يقوم مجندين ممن حاولوا الفرار من واجباتهم العسكرية بخدمة والسجناء وإطعامهم، واحتُجزوا هم أيضًا في سجن المزة، وكانت تُعرَف باسم 'البلديات'. ولم تُعَد جثث السجناء الذين أعدموا في السجن إلى ذويهم، بل في الغالب تنقل إلى مشرحة كلية الطب بجامعة دمشق. وقد أُغلق سجن المزة بأمر من الأسد في سبتمبر 2000، وأطلق سراح حوالي 600 سجين، ويقال إنه حُوِّل إلى معهد للدراسات التاريخية.