السجن المدني بسوسة
أما السجن المدني بسوسة، فيقع في قلب مدينة سوسة العتيقة، التي تبعد 140 كلم عن العاصمة. وهذا السجن كان مكان احتجاز لغير المحكوم عليهم نهائيًّا. ويُعد نقطة تحوُّل في التعاطي مع السجون وإبعادها عن مناطق العمران؛ إذ أصبحت نوعًا من الأمثلة على المراقبة والمعاقبة تمثل عنف الدولة منذ تأسيسها. وهذا السجن يعاني من اكتظاظه بالسجناء، وانتشار الأمراض الجلدية بينهم، كالجرب الحيواني. وبسبب بنائه العتيق بين أسوار المدينة، لا يكاد الضوء يدخل أي غرفة من غُرفه، فقد كان مصممًّا من قبلُ ليكون مخازن أو مرابض حيوانات، ثم تحوَّل فيما بعد إلى سجن مختلط يجمع بين المحكومين السياسيين والمدانين بالحق العام. وكانت الإقامة في هذا السجن قاسية ومهينة جدًّا؛ فقد ثبت أن المسجونين الحاملين لفيروس الأيدز كانوا يتشاركون شفرات الحلاقة مع الآخرين؛ وذلك بسبب امتناع إدارة السجن عن توفير أدوات النظافة. أما فيما يخص الطعام، فإن إدارة السجن تقدِّم وجبةً لا تنطبق عليها الشروط الصحية، وهي خالية من أي قيمة غذائية، وفي الأغلب تكون المكونات الأساسية للطعام مما تصادره أجهزة المراقبة البلدية من خضروات أو أسماك. وأكثر الوجبات المقدمة تكون من المعجنات والمرق. ومِن أشهر ما يُقدَّم للسجناء: "الراقو" و"الصبة"، وهي عبارة عن خليط من القليل من الخضروات والكثير من الماء، وغالبًا ما يكون كريه الرائحة. وقد تسوء الحالة الصحية لبعض السجناء، الممنوعين من الزيارة، وذلك بسبب سوء التغذية إلى حد الموت، وقد خصَّصت إدارة السجون أجنحة خاصة لمعاقبة السجناء، خاصة سجناء الرأي، تنكيلًا بهم، وللضغط عليهم حتى يقدموا تنازلات، مثل طلب العفو، أو لتسخيرهم كي يصبحوا عملاء لإدارة السجن. وغالبًا ما يتميَّز جناح العقوبات بشدة الرطوبة والظلمة وانعدام النظافة وغياب الحمامات؛ إذ تُترك فقط حفرة في البلاط، عادةً ما تسكنها الجرذان الكبيرة، لقضاء الحاجة. ويُجرَّد كل سجين في هذا الجناح من ملابسه، وتُقدَّم له بدلة زرقاء متعفنة في الأغلب وممتلئة بالحشرات كالبق والقمل، ثم يُقيَّد السجين بعد ذلك من أطرافه الأربعة إلى سرير معدني دون استعمال أي فراش، بل إن إدارة السجن كانت أحيانًا تُقيِّد السجناء وهم عراة مجرَّدون من ملابسهم.